اقترح الإعلامي أحمد المسلماني في برنامجه ” صوت القاهرة ” الذي كان يقدمه على قناة الحياة إغلاق مواقع التواصل الإجتماعي ، و لو لعام واحد بحجة الحفاظ على الأمن القومي المصري ، معللا ذلك بأن الانترنت أصبح راعي الإرهاب الأول في العالم داعيا الي تطبيق التجربة الصينية بخصوص إغلاق مواقع التواصل الإجتماعي …وطبعا لكل إعلامي الحق في ابداء رأيه لكن الغريب أن تأتي تلك التصريحات من المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية السابق المستشار / عدلي منصور، أي أن رأيه كان مقربا جدا من دوائر صنع القرار في مصر ،وهنا التخوف من ربط البعض الدائم بين الإعلام و الأمن القومي بفكرة ” الغلق ” أو حتى “التضييق “.
وبالمناسبة فقد أدخلت شركة فيسبوك تعديلات على تطبيقها بنظام ” الأندرويد ” كما أعلن “مارك زوكربرج ” في ينايرالماضي، ليتمكن المستخدمون في بعض بلدان التي يحظر فيها استخدامه من التعامل مع هذا التطبيق عن طريق إخفاء الموقع الجغرافي للمستخدم ، ما يتيح لها الوصول لما يقرب من 1،4 مليار مستخدم في الصين و إيران فقط ،، ما يعني أن فكرة المنع او الغلق أو التضييق لم تعد الفكرة الرائجة لهذا الزمن نظرا للتطور التكنولوجي الهائل الذي لانملك من أمره شيئا في بلداننا ….
هذا الطرح يعيد مرة أخرى التفكير في جدلية العلاقة ما بين الإعلام و الأمن القومي في مصر ، وماهي حدود التماس بينهما … و السؤال لماذا لا نفكر في اتجاه آخر، ايضا من أجل الحفاظ على أمننا القومي بناءا على المتغيرات العالمية
لماذا لا نهتم أكثر بإتاحة المعلومات وتعزيز مبادىء الشفافية في ذلك ، وخاصة أن السوشيال ميديا أثبتت قدرتها في مصر على الضغط و تحويل دفة الأمور ، و تصدير الحقائق مهما اجتهد المجتهدون في إخفائها ،فمثلا ما يدور في سيناء و شح المعلومات و اقتصارها على جهات محددة ، وحادثة “كرم القواديس ” خير مثال على ذلك فقد أغرقت السوشيال ميديا بمعلومات غير دقيقة ،و استغلت تأخر الجهات المعنية بالإعلان عن حقيقة الوضع و التفاصيل التي يعتبرها البعض أحيانا غير مهمة في مواجهة شراهة ونهم وسائل الإعلام .
سينادي البعض بأننا في حالة حرب على الإرهاب و هي حالة استثنائية تتطلب اجراءات خاصة، وهو ليس مفهوما صحيحا في المطلق ،فالولايات المتحدة الأمريكية بأمنها القومي الذي يتسع مفهومه ليصل بين أدنى الأرض و أقصاها ،لم يتردد إعلامها في الكشف عن فضيحة سجن أبو غريب في أثناء حربها على العراق ، ولا في الكشف عن رغبة إدارة بوش في التنصت على ملايين الأمريكيين كوسيلة غير دستورية أو قانونية لمواجهة الإرهاب ، ولا الكشف عن سوء معاملة المعتقلين في جوانتنامو ولولا الإعلام ما تعهد أوباما بإغلاقه ، فضلا عن المعركة الأشهر ل ” ديك تشيني ” نائب الرئيس “جورج بوش ” مع جريدة “النيويورك تايمز” والتي قالت أن تشيني وكبير مستشاريه القضائيين ديفيد ادينغتون يعتقدان أن الدستور يسمح لوكالات الاستخبارات باتخاذ تلك الإجراءات ، ونشرت أيضا معلومات عن مراقبة الاجهزة الامريكية لحسابات مصرفية في الداخل والخارج ، وهو مادعا تشيني لانتقادها ووصفها بأنها جعلت مهمة الدفاع عن الولايات المتحدة أصعب في وجه الهجمات الإرهابية واتهمها بالخيانة .
بالتأكيد تلك الأمثلة لا تعني أيضا بالضرورة مثالية الحالة الأمريكية ،فالمحكمة الدستورية الأمريكية العليا أقرت بعدم حماية الدستورالأمريكي لما ينشر عن تحركات الجيوش الأمريكية وما يعرض الجنود للخطر ، و مع ذلك تقول ” لوسي داجليش ” عميد كلية ميريل للصحافة في جامعة مريلاند بعد لقائي معها على هامش زيارة للولايات المتحدة أن هذه الحالة نادرا ما استخدمت في التاريخ الأمريكي ، و أنه حتى التحفظ الإعلامي الأمريكي في بداية الغزو الامريكي للعراق كان اختيارا ذاتيا بالأساس و مراعاة حالة الذعر لدى المجتمع الأمريكي بعد هجمات سبتمبر .
أخيرا فإن ادراك مفهوم الأمن القومي يجب ان يبدأ من ميثاق شرف داخلي لدى كل وسيلة إعلامية ، مع الوضع في الإعتبار أن حياة الإنسان قبل أي سبق صحفي ،فمؤخرا امتنع موقع ال ” هفينجتون بوست ” عن نشر أي معلومات عن صفقة لتبادل المسجونين بين الولايات المتحدة و طهران بعد تسريبات من أحد مصادرها في الخارجية الامريكية الذي اعتقد فشل المفاوضات فسرب الموضوع ليفضح إدارةاوباما و فشلها في تحقيق اتفاق شامل مع إيران على هامش الإتفاق النووي، و عندما علم الموقع من مصدر آخر عدم توقف المفاوضات ، قرر عدم نشر أي معلومات حرصا على سلامة الأمريكين الأربعة ومنهم من كان متهما بالتجسس ،وقد نشرالموقع الشهر الماضي توضيحا للجمهور و تأكيدا منها أنه كان قرارا ذاتيا احتراما للأمن القومي .
.