بداية، أقرر أن راديو مصر ليس تابعا لقطاع الإذاعة وإنما هو تابع لقطاع الأخبار وكذلك الإذاعات التي احتلت مكاناً ومساحة مشهودتين في سيارات وأذهان المستمعين وهي معروفة ومعلومة (نجوم ونغم اف ام وميجا وهيتس و٩٠٩٠ ….إلخ) أما ما أعنيه هنا بالإذاعة العتيقة فهي تلك الشبكات التي تتبع قطاع الإذاعة المصرية العريقة (البرنامج العام وصوت العرب والشرق الأوسط والإذاعات المتخصصة والشباب والرياضة والبرنامج الثقافي والمحليات).
إن قطاع الإذاعة العتيق والعريق صاحب التاريخ الثري والتليد تراجع تأثيره بشكل فريد ولا ينكر ذلك إلا كل من هو مكابر عنيد!
لسنا في معرض الحديث عن تاريخ الإذاعة المصرية ودورها التاريخي في تشكيل وعي ووجدان الإنسان وتراثها الزاخر المتنوع والذي بدأ في الحادي والثلاثين من مايو عام ١٩٣٤م (والذي صار عيدا للإعلاميين) وكذلك المقام لا يسمح بالتطرق إلى القامات والخبرات والثقافات التي أنتجتها الإذاعة ومازالت تنتجها لأن كل هذا معروف ومحفوظ، لكن دعونا نتوقف عند من له التأثير الأكبر اليوم؟ ومن يحرث في البحر دون تأثير؟
إن المستمع الذي يتنقل بين المحطات لا يكترث كثيرا ولا يلقي بالا لتاريخ المحطة التي تسترعي انتباهه ولا يبحث عن إذاعة لها رصيد وجذور وإنما يتوقف أمام محطة تشبع رغبته وتعمل على سد حاجته بالإيقاع السريع واللغة البسيطة والرسالة السهلة المحددة دون تقعر أو رتابة أو (فزلكة) والبعد عن التعالي والطريقة التقليدية بما فيها من ملل وتكرار يسبب (زهقا) وضجرا فيصبح حال المستمع كحال الرجل الذي مل زوجته الوفية التي عاشرته معاشرة كريمة وكانت مخلصة في علاقتها محسنة في تربية أولادها بيد أنها لم تتنبه لطبيعة زوجها الذي شعر بالسأم (والقرف) وبدأ ينجذب لشابة حسناء يافعة ضحكتها عالية وشقاوتها طاغية جاذبة فراح لها راميا نفسه بين أحضانها ناسيا زوجته الوقورة ذات الحسب والنسب، ومواقفها الناصعة التي تتسم بالكرم والأدب!
إن التقاليد الإذاعية والأعراف المرعية والقوالب البالية والصيغ البرامجية فاقدة الصلاحية أصبحت عائقا لكل الكفاءات التي تريد أن تنطلق منافسة ومتفوقة على نفسها قبل غيرها.
إن التخلص من أمور بيروقراطية وترهات إدارية وأنساق خزعبلية أصبح ضرورة حتمية طالما لم تمس ثوابت المجتمع وآدابه.
إنني أطالب الإذاعة العريقة العظيمة بالتخلي (طواعية واختيارا وقبل فوات الآوان) عن كل ما هو تقليدي وكلاسيكي وعن كل ما يعرقل مستقبل التطور والتحديث سواء بالنسبة للشكل أو المضمون، حتى تستأنف رحلتها الإبداعية الخالدة، بعد أن تتخلص من كل أكياس الرمل وأرتال الحجارة التي تجرها في رجليها وتحملها على ظهرانيها، وحتى تعود عفية شابة غير مكبلة بقيود ولا يُحد إبداعها روتين أو سدود …
فهل تستطيع الإذاعة أن تفعلها وترمي الطربوش من على رأسها حتي تدخل أشعة الشمس ونفحات الهواء ونسائمه إلى رأسها الملئ بالكنوز والمواهب والخبرات أم أنها ستقاوم وترفض وتصرخ كنجيب الريحاني في فيلم غزل البنات وهي تقول الطربوش.. الطربوش.. الطربوش ياحرامية الطربوش !!