انضم محمد سعد إلى قافلة نجوم السهرات المسرحية التليفزيونية قبل ثلاثة أسابيع تقريبا، بحلقات تحمل اسم “وش السعد”، مستغلا النجاح الجماهيرى الذى حققته شخصية بوحة الصباح لدى عرض الفيلم الشهير عام 2005.
وبفكرة نقلت تلك الشخصية من السينما إلى المسرح، فهذا الرجل البسيط الباحث عن إرثه خلال الفيلم، وتعرض بسببها لكثير من المشاكل والمواقف الكوميدية، تفترض الحلقات المسرحية أنه حصل على إرثه واشترى به قناة فضائية.. ومن مفارقات جهل بوحة واصطدامه بالجمهور تتفجر الكوميديا.
“بوحة لما الحظ إداله.. اشترى قناة فضائية.. مرسح.. مرسح مش قناة.. بنعمل مرسح.. محدش فاهم.. مش قناة خالص”.. هذه الكلمات التى كتبها الشاعر الموهوب أيمن بهجت قمر فى التترات تشير باستمرار إلى مدلول الحلقات وتوصيفها، باعتبارها تمهيد لحالة الصدام والصراع الذى سينشأ بين هذا الرجل ومعاونيه والجمهور أيضا، خاصة وأن شخصية بوحة هى فى الأساس لمؤلف يجمع بين الإلمام بشروط الشخصية المسرحية والسينمائية معا، وهو نادر صلاح الدين، الذى كتب العديد من الأفلام أبطالها شخصيات بسيطة لديها القدرة على جذب تعاطف الجمهور سواء بالكوميديا مثل بوحة والدادة دودى أو بحالات إنسانية مؤثرة مثل زهايمر للفنان عادل إمام والرهينة لأحمد عز.. وهى كلها شخصيات مرسومة فى المقام الأول بمنطق يستفيد من قدرات ممثليها.. وهو ما يبحث عنه المنتجون.
لو طبقنا هذا الكلام على “وش السعد” نكتشف أنه أقرب لشو مسرحى اعتمد فيه بطله على قدراته التمثيلية المبهرة والتى أتصور أنه مازال يخفى كثيرا منها خلف أقنعة شخصياته السينمائية المتوهجة – رغم تحفظى على محتواها الدرامى – مع مزج عناصر درامية مؤثرة وجذابة مستلهمة من تراكيب تلك الشخصيات، فالقناة التى تُبَث من خلالها الحلقات سخرت كل طاقاتها الإنتاجية لتقديم صور بصرية جاذبة وتجهيزات مسرحية اشتهرت بها عبر برامج اكتشاف المواهب المتعددة، ولكن مازالت المشكلة الأكبر الأبرز هى البحث عن محتوى أكثر احتراما لعقول الجمهور، فالحلقة الأولى التى سببت كثيرا من الاستياء لدى مشاهدى المنازل كان سببها المبالغة والإفراط فى تقديم الجانب المنحط فى شخصية بوحة، سواء من حيث كلماته وأسلوبه المتدنى فى الحديث أو بأدائه المعروف مسبقا من الفيلم، وتلك هى خطورة استدعاء شخصيات درامية من الماضى لتقديمها من جديد عبر أى وسيط فنى، خصوصا إذا لم يطرأ عليها أى تغيير فى بنيتها النفسية على الأقل، ولم يستفد محمد سعد من حلقات الفنان محمد صبحى “مفيش مشكلة خالص” التى أعاد فيها تقديم شخصيات مسرحية الجوكر ولم يتفاعل معها الجمهور بحكم اختلاف ظروف تقديمها والحالة البدنية والتمثيلية لصبحى نفسه.. بل وقع سعد فى نفس المأزق واستمر فى التفكير بنفس منطق النجم الأوحد الذى مازال يخضع له المنتجون بحثا عن المال وحده – سواء فى المسرح الخاص او حتى مسرح الدولة فى الفترة الأخيرة- فكانت النتيجة طمس نواياه الطيبة فى تقديم مواهب شابة ومتخصصة فى حلقته الأولى بحرمانهم من فرصة أكبر وأهم أمام الجمهور، فخرجت الحلقة الأولى بلا أى مردود طيب أو حتى رسالة مفهومة سواء اتفقت أو اختلفت معها.
الأغرب من ذلك أن محمد سعد عاد للحلقة الثانية بكثير من الذكاء حينما بنى فكرتها على ما واجهه من انتقادات بسخريته المعهودة معتبرا ذلك مجرد “نفسنة”، ولا مانع من ذلك ولكنه للأسف وقع أيضا فى هوة الإطالة والملل بسبب مساحة دوره الطاغية رغم ما تخللها من استعراضات بسيطة بملابس وديكورات لا بأس بها، فاستمرت الحلقة التى تجاوز وقتها الساعة بين استعراضه لقدراته التمثيلية وبين التجهيز لمشهد ضعيف جدا مع إيمى سمير غانم.. وفجأة قدم مشهدا صغيرا بالفصحى من مسرحية يوليوس قيصر الشهيرة لشكسبير بدون أى تمهيد أو مبرر سوى أن يؤكد على امتلاكه لأدوات تمثيلية متنوعة، ثم عاد بعدها بوحة الصباح وكأن شيئا لم يكن.. فكان الأولى أن يستغل وجود ممثلين قديرين بحجم عبدالله مشرف وايمى سمير غانم معه فى تقديم مشاهد درامية تنتقد سلبيات المجتمع بشكل غير مباشر بدلا من ظهورهما بما يبدو معه وكأنهما جاءا كضيفى شرف لمجاملة صديقهما النجم.
“وش السعد” إذن شو مسرحى يحتاج كثيرا من إعادة النظر فى محتواه والسرعة والحيوية فى الإيقاع وأن يفرض فريق الاخراج بقيادة سامح عبد العزيز سطوته على مجريات الدراما باعتباره المسئول الأول عنها وليس النجم، وأن يتخلى سعد قليلا عن شخصياته بإضافة شخصيات أخرى مطحونة ومغلوب على أمرها لتتفجر الكوميديا من قلب مآسيهم وهو قادر على ذلك بإمكاناته التى لم يفصح عنها بعد كل تلك السنوات فى عالم التمثيل، وهو ما يحتاج ايضا من فريق الكتابة الذى يشرف عليه سامح سر الختم استلهام افكارهم من دراما الشارع اليومية وليس السخرية المكررة من برامج التوك شو.
نقلاً عن “الأهرام”
.