من قال أننا نمتلك أدوات التواصل الاجتماعي؟! نحن شعوب تجيد السب والقذف والردح، كما أن لدينا مواهب فاجرة متبجحة في اللعن، السب، والتشهير بكل من يختلف معنا في الرأي.
وطبعًا كانت وقعة فتّاكة في سوق الامام عندما عرفت أصابعنا طريقها إلى تطبيقات “وسائل التواصل الاجتماعي” على هواتفنا الجواله، فأصبحت أصابعنا أشد براعة، وأكثر أخطبوطية من أصابع عمر خورشيد على الجيتار، للبحث عن أفضل وسيلة للقذف في العرض، كدة بكل سهوله، من غير تردد. وهل نضيع الوقت في مساءلة ضمائرنا؟ عفواً فالضمير المطلوب وقت الاختلاف قد يكون مفصولا ً، أو راح يجيب الغدا و لم يعد.
أخص منها تويتر إذ أن الحديث في تويتر يعتمد على المواضيع أكثر من كونه فضفضة فيسبوكية بين الأصدقاء.
قد يبدأ أي هاشتاج بعبارة بريئة مثل #صباحك_ورد. بس.. و خليك مكانك و أنا أحكيلك ع اللي جرى. هوب يشتغل الارهاب اللفظي وبمنتهى البساطة ليدخل أحدهم ويقول “صباح الورد بدعة في الاسلام يا كفره!” ليرد عليه آخر “كفره؟! إنت اللي كافر!” و هكذا يبدأ كونشرتو السب و التحقير بهذا رافضي، ويا ملحد، يا داعشي، ، يا علماني، و يا ليبرالي. طبعًا هذه نقاشات المبتدئين الذين مازالو في مرحلة الحضانة التويترية.
أما الهوامير أو المعلمين فيختصر النقاش ليصوّب كلماته في صلب الموضوع، بذكر أعضاء معينة تطال الأم، الأخت، الخالة والعمة، ثم يكتب دعاء “اللهم اجمع قلوبنا على طاعتك، واجمع نفوسنا على خشيتك” فريتويت صورة لمؤخرة كيم كارداشيان. يعود بعدها ليخوض في الأعراض. ثم دعوة للحاق بصلاة العصر لأن تأخيرها يؤخر الرزق.
ولا أريد الخوض هنا في موضوع التناقض، فكلنا كبشر بطبيعتنا متناقضين. لكني أتحدث عن استباحة الاساءة.
تنساق في سيل من الإساءات البذيئة حتى يخيّل لك أن “تويتر” تبدل اسمه ل “تطاول”، وبالتطاول الشخصي تضيع القضية ويتوه الموضوع المقصود تناوله، لتجد أن موسوعتك في البجاحة تتضخم، بينما مخزونك المعرفي يتضاءل في البحث عن الحقيقة، لأن كل من في تويتر لديه معلومات و تفاصيل عن كل ما يحدث، لكنك تكتشف أن الحقيقة تضيع بين فوضى المصادر.
وأهو كله “هياط” و مزايدة على الآخر، و كل معركة لها هاشتاجها و منشنها و سبتها و صور من تغريدات سابقة أو صور الأخت والزوجة. ليه يا أولادي؟؟ فراغ؟ أم أن شحنة عجزنا و غضبنا نفرغها فيما بيننا بالسباق في قلة الأدب؟
فقد أصبح تويتر جنة الهياط والمتعطش له. هل تريد أن تعرف معنى كلمة هياط؟ الإعلامية كوثر الزهراني عّرفت الهياط ب”تطاول علي العلوم بالمعرفة، محاولة توضيح أنهم مسايرين للتمدن والحضارة وهم منها براء. المهايطين هم الذين لايريدون أن يقولوا أن الله اعلم، و هي صفة النقص للذين فقدوا كل مقومات المعرفة فاخذوا من الكذب والمكابرة أساس لجذب الناس لحديثه، يعني فنجري بوق يا غادة”.
نحن قوم ليس ضمن تطبيقاتنا السلوكية “آداب النقاش”، إحنا ناس نعرف نزايد وحاصلين على وسام الشرف في نسف شرف الآخر.
هل تعلم عزيزي التويتري المتوتر أن من كتب “صباح الورد بدعة في الاسلام يا كفرة” ضغط زر “تويت” بينما كان يتمزج بشرب فنجان شاي في مقهى الفوكيت بباريس، في لا مؤاخذة فرنسا؟! أمااال بصوت نبيلة عبيد.