عندما حركت وجهى لكى اعرف من هو ذلك الشخص الذى صلى بجانبى فوجئت بانه الداعية الاسلامى الاشهر “عمرو خالد”، وفهمت أن كل تلك الكاميرات لم تكن تطاردنى أو من المعجبين بتقاريرى (لا سمح الله !!) ولكنها كانت ترصد تواجد “عمرو خالد” فى التحرير، واكد لى قريبي المغرم بالداعية الشاب اننى محظوظ لانى صليت اماماً على “عمرو خالد” بما له من قيمة وقامة، وقد شعرت بنوع من الدهشة لأننى لم اكن دائماً من مريدى “عمرو خالد” وكثيراً ما وقعت فى مشادات كلامية بسببه مع كثير من دراويشه سواء من الأقارب أو الأصدقاء، لأنى لم اكن ارتاح لطريقته فى الكلام والدعاء أو حتى نبرة صوته وواضح انى طول عمرى املك احساس صادق !!
وبعد الصلاة انطلقت فى ميدان التحرير ليلاً وبدأت اتلقى بعض المكالمات الهاتفية اهمها من شقيقى الأكبر الذى يعيش فى اوروبا وكان على ما يبدو يكلمنى كى يناقشنى فى احوال مصر ويطمئن منى على الاوضاع، لكنه تعجب من الضوضاء حولى فسألنى سؤال تقليدى عن مكانى فقلت له على الفور اننى فى التحرير لافاجئ برد فعله الهيستيرى وهو يقول بعصبية ليه فى التحرير ليه ؟؟!!
وقد كانت صدمته كبيرة لانى لم اعلن قبل ذلك عن اى نية للنزول للتحرير ولان موضوع نزولى الميدان تم بمنتهى السرعة وبدون ترتيب فلم اكن املك وقتها رد منطقى، ولم اتكلم .. ليتدارك هو الموقف ويفهم ان الكلام لن يجدى وان اللى حصل حصل فيطالبنى بان اخللى بالى من نفسى، وبعدها تلقيت مكالمة من عمى الذى كان يشك فى كلامى (وتحدثت عنه فى الحلقة السابقة) وعندما تأكد من احساسه وعرف انى فى التحرير لم يجد هو الاخر منى اى رد منطقى !!
لكن اغرب مكالمة كانت من شقيق قريبى الذى تواجد معى فى التحرير وقد كنا نظن انه قلق علينا فحاولنا ان نطمئنه بشكل مبالغ فيه بان الاوضاع على ما يرام وان الميدان جميل وان الاجواء رائعة، لنفاجئ به يصرخ بانهم يواجهون المخاطر والرعب فى البيوت واحنا بنهرج ونلعب فى التحرير، وطالبنا بالرجوع لمساندتهم فيما اطلق عليه اللجان الشعبية وقد كنا وقتها فى التحرير لا نعلم اى شئ عن حالة الرعب التى صدرها الاعلام الكاذب للبيوت المصرية لكى تضغط الاسر على اولادها لكى يعودوا من الميدان، تماماً كما فعل شقيق قريبى !!
وطبعاً كان يستحيل علينا ان نعود لبيوتنا لان كل وسائل المواصلات العامة متوقفة بسبب الحظر وكذلك فان السير فى الطريق ليلاً فى تلك الاجواء محفوف بالمخاطر وكان الامان بالنسبة لنا الانتظار فى التحرير حتى الصباح، وبدأنا نفكر فى تدبير قصة الاكل لافاجئ بقريبى بحكم خبرته الميدانية يؤكد ان الاكل اختياراته محدودة، وافضلها ساندوتشات الكفتة من عند “ابو خالد” فى شارع شامبليون، وتوجهنا اليه لنجد هناك الكثير من المتواجدين فى الميدان وفوجئنا بالرجل صاحب المطعم يتعامل مع شباب التحرير بنوع من الذوق، لدرجة انه ترك دورة المياه متاحة لاى شخص يريد استخدامها واعتقد ان هذا الرجل كان له دور ايجابى فى الثورة لانه اصر على استمرار فتح المطعم رغم الظروف الصعبة وربما حقق ارباحاً تاريخية خلال ايام الثورة.
و بعد ان عرفنا باشاعات هروب المجرمين والبلطجية حاولت ان اشغل نفسى ببعض الاتصالات التليفونية للاطمئنان على الاهل، وحتى تلك اللحظة مش قادر اصدق ازاى الكلام الاهبل ده وجد صدى عندى وتأثرت بيه لدرجة انى نقلت حالة من القلق والذعر لكل اقاربى الذين اتصلت بهم بغرض ان اطمئن عليهم، وما زلت نادماً على الخوف الذى صدرته لاولئك الاقارب، ولكنى كنت وقتها لا املك المعلومة الكاملة لاننا داخل الميدان ولكن كان من الواضح ان عندى احساس بالذنب اننى فى التحرير وتركتهم فى تلك الظروف العصيبة !!
ولانها كانت الليلة الاولى لى فى التحرير ولانى كنت مضطراً للمبيت داخل الميدان فقد حاولت التجول لمراقبة انماط المتواجدين داخل الميدان، لعلى انال بعض الاطمئنان عندما اجد الميدان يضم اطياف مختلفة وطبقات اجتماعية متنوعة لكن هيهات، ومش عارف ليه فى اليوم ده بالتحديد او فى التوقيت اللى عملت جولتى فيه تحديداً لاحظت ان الاسلاميين يشكلون نسبة كبيرة من المتواجدين فى الميدان، وحتى تلك الفترة لم اكن اعرف الفارق بين الاخوان والسلفيين من حيث الافكار السياسية والدينية او حتى المظهر الخارجى وكنت مثل كثير من المصريين العاديين اريح دماغى واعتبر اى واحد بدقن اخوان !! ومش عارف ليه بدأت اقلق وحسيت ان ممكن يتم اقتحام الميدان فى اى لحظة وقتل كل المتواجدين فيه باعتبار انهم اخوان وكنت مقتنع وقتها ان الاخوان محدش حيزعل عليهم او يدافع عنهم !!!! وحاولت ان اطرد ذلك الهاجس المرعب من رأسى وعندما اقترح قريبى واصدقاؤه ان ننام داخل الحديقة الوسطى فى الميدان، وافقت على الاقتراح لعل النوم يعيد لى بعض من الاطمئنان المفقود، وقد كنت ارتدى جاكيت من النوع الاسفنجى المنفوخ فوجدته مناسباً لان انام عليه باعتباره مثل المرتبة واستلقيت على الارض ولكن عيونى لم تعرف النوم ابداً وبدأت اتطلع الى السماء واسترجع كل تفاصيل اليوم، وبعدها فوجئت بشاب صغير يصرخ صرخات متتالية وانتبهت مفزوعاً لصياحه الهيستيرى، فماذا كان مضمون تلك الصرخات وما سببها وما نتيجتها ؟! هذا ما سوف نعرفه فى الحلقة القادمة ان شاء الله